مثلت بلادنا منذ العصور القديمة وجهة متميزة ومقصدا نوعيا للسائحين والجوالة الذين تفننوا في إبراز ثراء طبيعتها وسحر جمالها وبداعة طقسها وإزدهار حضاراتها، فما وصل إلينا من مخطوطات وكتب وأسفار قديمة وحديثة وما تم إكتشافه من آثار ومنقوشات وزخارف بكافة الجهات لخير دليل على ما تزخر به تونس، مهد الحضارات وأنموذج تعايش الأديان، إلا خير دليل على ثراء المخزون وقابليته للتوظيف في مجال النهوض بالسياحة البيئية.
وقد عملت تونس منذ أواسط القرن الماضي على دعم الإستثمار في المجال السياحي حيثُ تم تحقيق إنجازات نوعية في مجال السياحة الشاطئية والسياحة الصحراوية والسياحة الإستشفائية والسياحة الثقافية وسياحة المؤتمرات وسياحة القولف،... ويتم السعي إلى وضع برنامج للنهوض بالسياحة البيئية التي أضحت تشد إنتباه الحرفاء وتستهويهم لما تتضمنه من مكونات من شأنها حماية البيئة وإحترام توازناتها.
وللتذكير يقترن مصطلح السياحة البيئية، الذي إنطلق في إعتماده منذ بضعة عقود ، بجملة من المبادئ من أهمها كونه (أ) منتوج سياحي مسؤول (ب) وذو تأثيرات محدودة على المحيط (ج) ويضفي فوائد للمجتمعات المحلية. وإعتمادا على هذه المبادئ المكرسة لمفهوم السياحة المستديمة أو السياحة المتضامنة، ترتكز السياحة البيئية على:
واعتبارا لأهمية هذه الأبعاد وللمخزون القابل للتوظيف في مجال السياحة البيئية، ضبطت الوزارة المكلفة بالبيئة بالتعاون والتنسيق مع مختلف الوزارات والأطراف المعنية برنامجا يتعلق بالنهوض بالسياحة البيئية، يتضمن بالخصوص:
تم إعداد مجموعة من الدراسات التي مكنت من جرد الطاقات القابلة للتوظيف في مجال السياحة البيئية وفقا لسهولة ترويجها بالأسواق وإستجابتها لمتطلبات حرفاء هذا المنتوج الجديد والمتجدد. وقد أفضت الدراسات إلى التأكيد على أهمية وثراء هذه الطاقات المتوفرة ببلادنا وحوصلتها ضمن مسالك محورية وذلك على النحو التالي:
لتيسير زيارة هذه المسالك تم التوجه إلى تهيئة محطات إستراحة تهدف إلى:
وقد تم إعداد الدراسات الخصوصية وإنجاز بعض المشاريع النموذجية لتطوير البنية التحتية للنهوض بالسياحة البيئية بمسلك السياحة البيئية ''طريق الماء من زغوان إلى قرطاج'' ومسلك '' ذاكرة الأرض والصحراء والواحات '' ومسلك ''الغابات'' نذكر منها بالخصوص:
يبرز هذا المسلك عبقرية الفكر البشري منذ العهد الروماني عندما أمر الإمبراطور إيدريان بتزويد سكان قرطاج بالماء الصالح للشرب من عيون الماء المتدفقة من جبل زغوان. وقد أعطى بهذا القرار إشارة الانطلاق لإنجاز أكبر وأعظم شبكة لنقل الماء في العهد الروماني.
وأفضت دراسة إحياء وتثمين هذا المسلك إلى إقتراح تهيئة محطات محورية على إمتداد المسلك وذلك إنطلاقا من معبد المياه بزغوان وصولا إلى خزانات المعلقة بقرطاج.وتتلخص محاور هذه المحطات حول تقديم تطورتقنيات التصرف في الماء عبر العصور.
وشمل برنامج تهيئة محطة الإنطلاق بمحيط معبد المياه بزغوان عدة مكونات منها:
تهيئة الحديقة الأثرية
وقد تمثل التدخل في إنجاز أشغال الهندسة المدنية اللازمة لإزالة البناءات القديمة وتهيئة مساحات خضراء وفضاءات ترفيه وتنشيط قبالة المعلم التاريخي قصد إدماجه في محيطه الطبيعي من ناحية وتيسير تسجيله ضمن مواقع التراث العالمي. وقد مكنت التدخلات من دعم جمالية محيط معلم معبد المياه وبقية المعالم الموجودة بالموقع على غرار المعبد الصغير والحوض الكبير.
تهيئة وتجهيز متحف بيئي
تضمن البرنامج تهيئة متحف بيئي بمدخل محمية جبل زغوان الذي يشمل عديد المعروضات واللوحات والمجسمات المبرزة لثراء التنوع البيولوجي بالمنطقة من ناحية ونماذج حية للمختلف الجوانب الحضارية لمدينة زغوان من ناحية أخرى، بما في ذلك الجانب الروحي (زاوية سيدي علي عزوز) ومنتوجات وأدوات الصناعات التقليدية.
وتبرز الصور التالية بعض اللوحات والمجسمات المؤثثة للمتحف الإيكولوجي
تهيئة مركز للتنشيط والخدمات
شمل البرنامج تهيئة مركز للتنشيط والخدمات بمحيط معبد المياه بزغوان تضمن خاصة تهيئة :
عدد 8 فضاءات لبيع وترويج المنتوجات المحلية ومنتوجات الصناعات التقليدية
وبفضل هذه الإنجازات أصبحت هذه المحطة فضاء رحبا لاستقطاب الأهالي والعائلات من مدينة زغوان والمدن المحيطة بها .
يعتبر مسلك السياحة البيئية ذاكرة الأرض والصحراء والواحات أنموذجا للأصالة والثراء والتجديد، وهو يجسد صورة حية لما اكتسبه الإنسان من عادات وتقاليد ومعارف بولايات الجنوب التونسي (قابس ومدنين وتطاوين قفصة وتوزر وقبلي)، وهو قبلة متميزة للسياح الأجانب وللتونسيين على حد السواء.
أفضت الدراسات إلى تحديد هذا المسلك الذي يمر عبر كافة ولايات الجنوب التونسي وأهم مدنها ويشمل عديد المحطات بأهم المنظومات ومحاور الإهتمام التالية :
وعملا على مزيد التعريف بأسرار وخفايا هذه المنظومة تم إصدار كتيب يمكن قارئه من زيارة إفتراضية لما لا يقل عن 30 موقع ضمن هذا المسلك مع تقديم بعض البيانات التوضيحية التي من شأنها أن تيسر زيارتها والتمتع بما يتيسر من خصوصياتها.
وتبين الصور التالية لمحة حول ثراء هذا المخزون
ويتم في هذا الإطار :
التنسيق بخصوص الإنطلاق في إستغلال مراكز للسياحة البيئية الجاهزة والتي تم إنجازها بكل من قرماسة من ولاية تطاوين وتمزرط من ولاية قابس والقطار من ولاية قفصة
متابعة أشغال تهيئة مركز السياحة البيئية بالصابرية من ولاية قبلي
التنسيق للإنطلاق في إنجاز مراكز السياحة البيئية بميداس والشبيكة من ولاية توزر وبئر الحفي من ولاية سيدي بوزيد
وللإشارة يتضمن البرنامج الوظيفي لمختلف هذه المحطات أهم المكونات التالية:
يهدف هذا المسلك إلى إحكام التصرف في الغابات التونسية التي تبلغ مساحتها ما يناهز 000 200 1 هكتار وذلك بإدماجها في مجال النهوضبالسياحة البيئية لغاية دعم حمايتها والنهوض بظروف عيش المتساكنين بمحيطها. وقد تم في هذا الإطار بالتنسيق مع مصالح وزارة الفلاحة والسلطات الجهوية والمحلية إنجاز عديد المشاريع النموذجية التي يمكن حوصلتها على النحو التالي:
تهيئة مسلك السياحة البيئية ''ببوش حمام بورقيبة'' بجهة عين دراهم
يربط هذا المسلك بين قريتي ببوش وحمام بورقيبة بمنطقة عين دراهم من ولاية جندوبة ويمر عبر غابة كثيفة تمتاز بإحتوائها على تنوع بيولوجي نباتي وحيواني ثري بالإضافة إلى جمالية المناظر الطبيعية وسحر المياه الجارية بالأودية والينابيع.
وقد تمثل هذا المشروع في تهيئة خمس محطات إستراحة(محطة الجسر الروماني ومحطة شجرة الزان ومحطة العين ومحطة الأيل ومحطة رمل الدردارة) وتركيز تجهيزات حضرية بها لتيسير ظروف زيارتها وإرتيادها، مع تركيز ثلاثة أكشاك لترويج المنتوجات المحلية.
يهدف هذا المشروع إلى تدعيم أنشطة السياحة الايكولوجية بالحديقة الوطنية ببوقرنين باعتبار موقعها المتاخم لتونس الكبرى مما يجعل منها متنفسا إضافيا للمتساكنين ونقطة استقطاب على المستويين الوطني والعالمي. وتضمن هذا البرنامج بالخصوص تهيئة :
توجد الحديقة الوطنيّة بالشعانبي غرب مدينة القصرين، وقد تمّ إحداثها سنة 1980 للمحافظة على غزال الجبل وعلى النباتات المميّزة للظهريّة (الصنوبر الحلبي والفلين الأخضر). وهي تمسح 6723 هكتارا وتمثل عينة لخصوصيات الأطلس التونسي.
ولتثمين هذه الحديقة، فقد تم تنفيذ عديد الأنشطة الرامية إلى توظيفها للنهوض بالسياحة البيئية، من أهمها تجهيز معرض قار بالمتحف البيئي وتهيئة مسالك للتنزه والترفيه وتركيز علامات توجيهية وإعداد مطويات ووسائل تحسيسية سمعية وبصرية
ويتم العمل على توفير فضاءات خدماتية لائقة بمحيط هذه الحديقة (وحدات إقامة صغيرة وفضاءات تنشيط وترفيه تتلاءم والوسط الغابي) قصد دعم زيارتها وإرتيادها من طرف المولعين بالسياحة البيئية
تعتبر الحديقة الوطنية بالفايجة من المواقع الخصوصية من حيث ثرائها بالمشاهد الطبيعية والمنظومات البيئية والأصناف النباتية والحيوانية نظرا لتمركزها بالطابق البيومناخي الرطب.فتكوينات الزان والفرنان والصنوبر البحري والعيون المائية تشعر الزائر بسخاء وبهاء الطبيعة بهذه المنطقة.
وسعيا للمحافظة على هذه الثروة وتثمينها، تم تنفيذ عدد من الأنشطة لتأهيل هذه الحديقة وجعلها قطبا للسياحة البيئية على المستويين الوطني والدولي، من أهمها:
تم تهيئة المنتزه الحضري ''جبل ميانة'' بطبربة من ولاية منوبة بموقع جبل ميانة الذي يبعد حوالي 28 كلم عن مدينة تونس والذي يتميز بأهم الخصائص التالية:
ولدعم وظيفية هذا الفضاء فقد تم تجهيزه بعديد المكوناتنذكر من أهمها:
يهدف هذا المسلك إلى تثمين التراث الأندلسي بالمدن التي استقطبت الأندلسيين منذ عدة قرون نذكر منها مدن تونس وزغوان وسليمان
وبنزرت والمدن المطلة على وادي مجردة على غرار تبرسيق وتستور والسلوقية ومجاز الباب وطبربة والجديدة والعالية،....
تولت الوزارة المكلفة بالبيئة إعداد مجموعة كتيبات تقديمية لأهم الطاقات المتوفرة بالمنظومات الطبيعية والبيئية والقابلة للتوظيف في مجال السياحة البيئية وإصدارها في ثلاثة لغات العربية والفرنسية والإنقليزية وفقا للعينات التالية.
وتم توزيع هذه الكتيبات على كافة الوزارات والمؤسسات الوطنية والجمعيات المختصة والمؤسسات التربوية والهياكل المهنية المختصة على غرار وكالات الأسفار .
دراسة النهوض بالسياحة الايكولوجية بجبل الهوارية من ولاية نابل
في إطار المساهمة في ترشيد استغلال الموارد الطبيعية وتثمين المنظومات البيئية والمشاهد الطبيعية وتنمية الموروث الثقافي والتقليدي، تم إنجاز دراسة تمهيدية لتصور برنامج عمل متكامل لتدعيم أنشطة السياحة الايكولوجية بجبل الهوارية من ولاية نابل مما سيجعل منه متنفسا إضافيا للمتساكنين ونقطة استقطاب على المستويين الوطني والعالمي:
وتهدف الدراسة أساسا إلى:
وقد تبين من خلال النتائج الأولية للدراسة إلى أهمية المواقع والمشاهد الطبيعية لمنطقة الهوارية وثراء الإمكانيات التي يمكن توظيفها في مسالك سياحية بيئية بالجهة نظرا لتواجدها في منظومة طبيعية تجمع بين السهول الممتدة والشواطئ الصخرية منها أو الرملية إلى جانب تواجد مرتفعات جبلية،
ويضاف إلى هذه المشاهد الطبيعية العديد من المواقع المتميزة على غرار المغاور ومنها مغاور الخفافيش أو الغابات الخصوصية مثل دار شيشو وهي محطة لتربية الحيوانات البرية المهددة بالانقراض (القط البري والحجل ...)
كما تغطي هذه المناطق الطبيعية لوحة فسيفسائية من التنوع النباتي يضم خاصة أشجار الفلين والكشريد والذرو والزيتون ومن ذلك زيتونة معمرة (أكثر من 1000 سنة) إلى جانب نباتات ذات خصوصيات مميزة للمنطقة كالعطرية منها أو تلك التي تتماشى مع ملوحة الأراضي أو البحرية ...كما أن هذه المنطقة تتميز بثراء التنوع البيولوجي البري أو البحري.
وتتضمن منطقة الهوارية كذلك عدة مناطق ذات أهمية ثقافية دولية وهي مسجلة ضمن قائمة الموروث الثقافي العالمي لليونسكو على غرار دمنة – وادي القصب وكركوان والعديد من المناطق التاريخية والتي تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد ، إضافة إلى ثراء الموروث والتظاهرات الثقافية التي تقام بالجهة.
كل هذه المقومات تمثل رافدا هاما ودعامة لبعث أنشطة تهم النهوض بالسياحة الإيكولوجية التي سيتم العمل مستقبلا تثمينها ضمن برنامج عمل متكامل في الغرض يتضمن مختلف الأنشطة المزمع بعثها مع تحديد مهام مشمولات الأطراف المعنية مع بعث رزنامة الزمنية لإنجاز مع تحديد هيكلة تمويل.
ويعتمد مخطط العمل المزمع بلورته أساسا على:
مخطط النهوض بالسياحة الايكولوجية بجبل الهوارية 148.31 Mo
"السياحة الايكولوجية" -نسخة فرنسية2.17 Mo
الدراسة الإستراتيجية للنهوض بالسياحة البيئية بالبلاد التونسية
عملا على دعم المكاسب في مجال النهوض بالسياحة البيئية وسعيا لتوضيح مهام ومشمولات مختلف المتدخلين في مجال السياحة البيئية أنجزت الإدارة وزارة البيئة والتنمية المستديمة بالتنسيق مع وكالة التعاون الفني الألماني دراسة تتعلق "بإستراتيجية للنهوض بالسياحة البيئية بالجمهورية التونسية" والتي أفضت المرحلة الأولى منها إلى جملة من الاستنتاجات أهما:
أما المرحلة الثانية فقد اقترحت إستراتيجية متكاملة للنهوض بالسياحة البيئية ترتكز خاصة على:
ولتنفيذ هذه التوجهات الإستراتيجية فقد تضمنت المرحلة الثالثة من الدراسة جملة من البرامج العملية والأنشطة يمكن تبويبها ضمن المحاور التالية:
كما تم إدراج عنصر يهتم بتقديرات المالية الضرورية وهيكلة التمويل لحسن تنفيذ هذه البرامج العملية.
"دراسة استراتيجية للسياحة البيئية" -نسخة فرنسية506.47 Ko
"دراسة السياحة البيئة الجزء "-نسخة فرنسية "461.29 Ko
"التقرير الاستراتيجي الدراسية المرحلة الثانية"-نسخة فرنسية389.79 Ko
"توليف السياحة البيئية" -نسخة فرنسية147.73 Ko
دراسة "إستراتيجية أقلمة القطاع السياحي مع التغيرات المناخية"
تم إنجاز هذه من قبل وزارة البيئة بالتعاون من مكتب وكالة التعاون الفني الألماني في المجال البيئي، وقد آلت نتائج المرحلة الأولى من الدراسة إلى:
أما المرحلة الثانية فقد اقترحت الخيارات المستقبلية لأقلمة القطاع وذلك عبر بلورة إستراتيجية وطنية وتحديد مهام ومشمولات كافة المتدخلين على الصعيد الوطني، مع اقتراح الإجراءات المصاحبة (المؤسساتية والتنظيمية).
كما تم ضمن المرحلة الثانية من الدراسة، اختيار مشروعين نموذجيين ذات أولوية وهما:
"مشروع تجديد وتحسين الوحدات الفندقية -نسخة فرنسية "161.57 Ko
"مراجعة مشروع تطوير منتجع المستقبل -نسخة فرنسية"185.76 Ko
"التقرير الاخير -نسخة فرنسية"383.64 Ko
"الملخص -نسخة فرنسية"383.64 Ko
"مخطط العمل" -نسخة فرنسية106.67 Ko
كل ما تم ذكره من أمثلة حول النهوض بالسياحة البيئية بالجمهورية التونسية لا يمكن إعتباره سوى أمثلة حية لمناطق شملتها بعض تدخلات الوزارة المكلفة بالبيئة ، لكنه لا بد من التأكيد أن أغلب المناطق والجهات تشمل طاقات هائلة لتنمية السياحة البيئية بل أن عديد الجهات قد شهدت بعد إنتصاب مشاريع إستثمار من طرف الخواص في مجال السياحة البيئية، وهي تعتبر ناجحة إلى حد بعيد ولكن بحاجة للدعم والإحاطة لضمان نجاح وإستمرارية هذا النشاط التنموي الهام.